عن تابِعٍ ومتبوع!

منذ سنة تقريبا، حدث حوار في الرسائل الخاصة بيني وبين إحدى الشخصيات المؤثرة على السوشيال ميديا.

تحدثتُ باحترام وأدب معها حول كلام كانت قد كتبتْه. الكلام ظاهره نصح بالخير وباطنه سموم، خصوصا وأنها كانت تستشهد بواحد من أكثر الشخصيات المنحرفة والفاسدة في أمريكا، وهو واحد من أوائل الناس الذين شجعوا على الانحراف والشذوذ الجنسي، والرجل يعتبر فاسد ومفسد حتى بمقاييس الأمريكيين أنفسهم. وفوق ذلك كله، فقد أثبت العديد ممن جاؤوا بعده بأن جميع أبحاثه ليست مبنية على أي أسس علمية وتصنف أبحاثه من ضمن Junk Science .

المهم أني وضحت لها هذا الأمر وبعد أخذ وعطاء، قلت لها إنني أخشى أن يتأثر بها المراهقين وبعض المتابعين غير الناضجين أو الذين لا يتمتعون بالوعي لأن كلامها قد يتم فهمه بطريقة جدا مسيئة قد تهدم بيوتا أو على أقل تقدير قد تجعل الإنسان يعيش في حيرة وشك في دينه وما تربى عليه من قيم.

كان حواري معها على الخاص (أي بيني وبينها وليس أمام الناس) وقد كان كل ذلك بمنتهى الاحترام والأدب بعد أن عرفتها بنفسي حتى تتأكد من أنني لستُ مجرد اسم غير حقيقي أو مجرد إنسانة تريد الاعتراض من أجل الاعتراض، لكني أناقشها في “فكرة” كانت قد طرحتها بالمنطق.

الأمر لم يكن فيه أي نوع من قلة الاحترام أو قلة التقدير لها ولشخصها، والنقاش كله كان حول أفكارها.

لكن الشخصية المؤثرة الشهيرة غضبت مني وأخبرتني بأنها حرة في التعبير عن رأيها وأنها ليست مسؤولة عما يفهمه المتابعين من كلامها وأنها لم تخبر أحدا يوما أن يدمر حياته، فهذه خياراتهم هم وليس لها دخل في ذلك!

وانتهي النقاش بأنها أعطتني بلوك!

وهنا تذكرت فورا الآية القرآنية في سورة الحشر التي يقول فيها الله جل وعلا:

﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِين (16)

و وجدتُ الآيات تتابع في ذاكرتي، فأخذت أبحث عن الآيات التي تتحدث عن هذا المفهوم و وجدت في سورة إبراهيم آية تحكي نفس “السيناريو” تقريبا…مشهد مخيف ومحزن من مشاهد يوم القيامة يحدث بين الأتباع والمتبوعين:

﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)قَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

 

ثم تذكرت العديد من الآيات التي يتبرأ فيها المتبوع من التابع!

أليس هذا ما يحدث اليوم فعلا؟

تدخل الشخصيات “المؤثرة” بيوتنا بكلامها المعسول وفكرها (أيا كان راقي أو سخيف أو مسموم) ويستعرض المؤثرون أسلوب حياتهم المثالي المليء بالرفاهية أو ملابسهم أو جمالهم، والكثيرون يتبعونهم اتباعا أعمى وكأنهم منزهون عن الخطأ!

بعضهم يفعلون ما يفعلون بنية حسنة وبعضهم بهدف التجارة وبعضهم بلا هدف….لكن النتيجة واحدة…يسرقون أوقاتنا ويسممون عقولنا ثم يرددون شعارهم المشهور: “أنا مسؤول عن كلامي ولستُ مسؤول عن فهمك وعن تصرفاتك!”

وقد أصبت بالدهشة وأنا أقرأ القرآن لأجد هذه الآية التي وقفت أمامها مليا حيث تصف ما يحدث في أيامنا هذه:

﴿ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْباب (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) سورة البقرة.

هل خطر في بالكم أن موضوع “التبعية والمتابعة” مذكور في القرآن وبهذا الشكل الذي يصف حالنا اليوم؟

صحيح أن كل إنسان مسؤول عن عمله ولكن يجب أن لا ننسى أن كل إنسان سواء كان مشهور أو غير مشهور مسؤول عما يقوله أيضاً، وإلا لأصبحت الدنيا فوضى …كل واحد يتلفظ بأسوأ الألفاظ …يسب ويشتم …يسمم أفكار الآخرين…يهين الناس…يشوه القيم …ثم يقول: “من قال لكم أن تتأثروا بكلامي؟ هو مجرد كلام، فلماذا تتأثرون به؟”

إن هذا منطق شيطاني يتخذه الإنسان ليقوم بإخلاء مسؤوليته عن كلامه مع أن كل واحد فينا محاسب عما يقوله وليس فقط عما يفعله كما جاء في حديث طويل عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟” – رواه الترمذي !

إن كل شخص مشهور على السوشيال ميديا وغيرها إنما هو مسؤول مسؤولية تامة عن اختيار كلامه وألفاظه وعن كيفية تأثيره على الناس. هذا ليس اخلاء من المسؤولية لمن يقوم بتصرفات مسيئة للقيم والأخلاق والدين ولكنه تذكير لكل مشهور ومؤثر بل لكل إنسان بأنه مسؤول أمام الله عن الأفكار التي يبثها لمن يتابعه! إنها مسؤولية كبيرة ومخيفة أن تقول كلاما تساهم به ولو بشيء بسيط في أن تدمر حياة إنسان أو تقويه على أن يأخذ قرارا خاطئا يدمر مستقله وحياته!

تخيل أن يكون حسابك على السوشيال ميديا مصدر لتعاسة الآخرين…مصدر لجعلهم يشعرون بالسلبية وبالسخط على حياتهم بسبب كذبك وادعاءاتك أو بسبب أفكارك السامة! أي شهرة هذه!

إن للكلمة تأثير عظيم على العقول والنفوس، وجميع الرسالات السماوية جاءت بالكلمة والحوار قبل المعجزات، فلماذا نتجاهل تأثير الكلام خصوصا إذا كان مصحوبا بالأفعال والصور وكل وسائل الجذب والتأثير؟ لماذا نستهين بقوة الكلمة ونقنع أنفسنا بأننا لا نتأثر بما ينشر حولنا من أفكار؟ لماذا أصبح معنى حرية الفكر والكلمة مرتبطا بالإساءة للقيم والأخلاق؟ لماذا أصبحت الحرية الفكرية مرتبطة بجعل الناس يكرهون واقعهم ويشعرون بالسوء حيال أنفسهم وحياتهم؟

الكلمة مسؤولية! الكتابة مسؤولية! والشهرة مسؤولية! وشتان بين من ينشر الإيجابية وصدق الكلام والحب والجمال الراقي المهذب وبين من ينشر السلبية والتذمر والتعري والابتذال وتحقير الدين والمجتمع! شتان ما بينهما! ولكلِ نوع أتباعه ولكلٍ مكانه عند الله!

 

كل عام وأنتِ الحياة!

في يوم المرأة العالمي وعلى مدار العام …أحب أن أوجه تحية تقدير واحترام وحب للمرأة في جميع أدوارها المختلفة في الحياة…

تحية للمرأة المسؤولة، القادرة على إدارة حياتها وتنظيم وقتها!
تحية للمرأة الواعية بواجباتها وحقوقها!

تحية للمرأة القوية بعلمها و وعيها ولطفها وأدبها وأخلاقها!
تحية للمرأة المحافظة على أنوثتها بدون ابتذال!

تحية للمرأة المتزنة التي تعرف متى تتحدث ومتى تصمت!
تحية للمرأة التي توازن بين الجدية والمرح…و بين عطاءها لأسرتها و عملها وعطاءها لنفسها!

تحية للمرأة النشيطة التي اتخذت الرياضة والحركة نمط حياة لها!
تحية للمرأة الحريصة على أن يكون غذاءها صحيا!

تحية للمرأة التي تطبخ لنفسها وأسرتها طعاما نظيفا صحيا!
تحية للمرأة التي توفق بين عملها في البيت وعملها خارج البيت!

تحية للمرأة الحريصة على صحتها وجمالها!
تحية للمرأة التي ترعى زوجها و أطفالها وأسرتها بكل حب بدون تذمر أو مَن وأذى!

تحية للمرأة التي تدعم النساء الأخريات ولا تحطمهن!
تحية للمرأة القائدة الحازمة والعادلة!

وأيضا تحية كبيرة للرجل الذي يدعم المرأة لتتعلم وتعطي لأسرتها ومجتمعها!
تحية للرجل الذي يدعم المرأة المحترمة الواعية!
تحية للرجل الواثق من نفسه الذي لا يخاف من المرأة المثقفة الواعية والقوية!

تحية لكل من المرأة والرجل الذين يعطون بإخلاص لأسرهم ومجتمعهم!
تحية لكل امرأة ورجل أخذا بأيدي بعضهما ليرتقيا بنفسيهما وبمجتمعهما.

تحية للمرأة الراقية في يوم المرأة العالمي وفِي كل يوم!

كل عام وأنتِ أرقى وأكثر نضجا وحباً وعطاءً! 

كل عام وأنتِ الحياة!

Image result for balanced woman

الزوجة…السكن والحياة!

يدرك أغلب الرجال أن الزوجة المحبة الودودة والمسؤولة هي السكن ومصدر الحياة والبهجة لزوجها، ويعرف الرجال في قرارة أنفسهم (حتى لو لم يصرحوا بذلك) أنهم لا يستطيعون الإستغناء عن زوجة تؤنسهم وتحتويهم وتشعرهم بالحب والحنان والجمال. 

لكن هذه الزوجة المحبة المسؤولة تمر بها أزمات كثيرة مختلفة… من ضمن هذه الأزمات أزمة التعب والملل خصوصا إذا كانت ربة بيت. 

قد لا يدرك الرجل أبعاد هذه الأزمة وقد لا يشعر بها أبدا، وإن شعر بها، فهو غالبا ما يعتبرها “دلع وشكوى فارغة” لأنه (حسب وجهة نظره) يوفر لزوجته كل شيء ويتكفل بجميع احتياجاتها المادية من بيت وملابس وأكل …إلخ.

أغلب الرجال يعتقدون أن المرأة عندما تكون ربة بيت، فهي “ملكة” لا تحتاج لشيء لأن طلباتها كلها مجابة، ولأنها في “نظرهم” لا تتعب ولا تشقى من أجل لقمة العيش! 

بعض الرجال يصيبهم نوع من القسوة والجلافة والجمود العاطفي لكثرة استغراقهم في العمل من أجل توفير الحياة الكريمة لزوجاتهم وأبنائهم ويصبح همهم الوحيد هو كيفية الحصول على المال أو حل مشاكل العمل أو كسب الصفقات التجارية وبذلك يفقدون تواصلهم مع جانبهم الإنساني العاطفي…و أحيانا يصبح الجانب العاطفي عبئا عليهم لأنهم لا يعرفون العودة لهذا الجانب بعد يوم مليء بالضغوطات والمعارك المهنية.

مثل هذا النوع من الرجال لا يريد شيئا عندما يعود إلى بيته سوى الهدوء والنوم…حتى الكلام يصبح صعبا عليه… وهذا أمر يجب أن تحترمه وتقدره المرأة بلا شك.

لكن لابد لهذا النوع من الرجال أيضا أن يحاول بكل جهده أن يتصل بجانبه الإنساني وأن يلقي بهموم العمل عند عتبة بيته ولا يفكر فيها أبدا! 

ولابد لكل رجل أن يدرك أن الزوجة عندما تشعر بالملل والإرهاق ولا يشعر هو بها، فهي قنبلة موقوتة في بيته!

نعم! إن المرأة عندما تشعر أنها مجرد مربية للأطفال وخادمة في المنزل بدون أدنى تقدير وبدون اهتمام بمشاعرها، فهي تصبح مليئة بالغضب الصامت والمشاعر السلبية تجاه الرجل وتجاه الحياة…و في يوم من الأيام قد تنفجر و تبدو حينها متمردة على واجباتها ومسؤولياتها…وحينها يكون اللوم عليها لأنها عبرت عن مشاعرها بطريقة سلبية! 

والحل لابد أن يكون من الطرفين: من الرجل والمرأة!

فمن ناحية الرجل، لابد أن يدرك كل رجل أن المرأة تريد أكثر من مجرد الأكل والشرب والمنزل والملابس! هذه بلا تشك تلبي احتياجاتها الأساسية كإنسانة لكنها لا تشبع احتياجاتها كامرأة، وبالتالي يظل لديها فراغ عاطفي يكبر ويكبر كل يوم إلى أن يصبح فراغا ساما له تأثير سيء جدا على نفسية المرأة وعلى زوجها وأبنائها!

لابد أن يدرك الرجل أن المرأة تحتاج للكلمة الحلوة والاهتمام (كل يوم)! نعم كل يوم…مثلما نشرب الماء ونتنفس الهواء، فإننا كنساء نحتاج للاهتمام والرعاية كل يوم وإلا ذبلت أرواحنا وجف نبع الحب في قلوبنا! 

والاهتمام الذي تحتاجه المرأة بصفة يومية ليس هدايا ولا سفريات وخرجات مكلفة ولكن فقط كلمة حلوة من القلب…سؤال عن الحال: كيف كان يومك حبيبتي؟ أو لمسة حانية وحضن حنون وقبلة على اليد أو الجبين تقديرا للإنسانة التي ترعى البيت والأبناء في غياب الرجل! 

وإذا تطلب الأمر، قد يتوجب عليك أن تعطي زوجتك إجازة من مسؤوليات البيت ولو ليوم واحد أو يومين…ما الذي سيحدث لو أنها ا لم تطبخ يوم أو يومين؟ ما الذي سيحدث لو أنك أخذت بعض الملابس لمغسلة مجاورة؟ ليست نهاية العالم لكنها قد تعني العالم كله لزوجتك! 

إن المرأة تحتاج لإجازة ولو يوم واحد في الشهر من أعباء ومسوؤليات البيت، فهي ليست آلة تعمل بدون توقف! 

كما أن البيوت ليست كتيبات عسكرية يجب أن تسير وفق نظام دقيق لا يجوز الخروج عنه! قليل من المرونة يجعل الحياة أجمل وأفضل!

إن تفهم حالة المرأة واللفتات البسيطة جدا هي غذاء للمرأة ولا أعتقد أن هذه اللمسات الرقيقة صعبة على أي رجل! 

إن المرأة إذا شعرت بالجفاف العاطفي وأحست أنها مهملة من الرجل، فلا يمكنها أن تكون القلب الذي يسكن إليه الزوج ولا يمكنها أن تكون مصدر الحب له! 

ويا عزيزي الرجل، لابد أن تدرك أن القسوة والجلافة والإهمال تميت قلب المرأة وتجعلها مجرد جسد بلا حياة، وهذه المرأة الجافة الباردة هي من صنعك أنت، فلا تنظر إلى المال الذي تعطيه لزوجتك، بل انظر كيف تعاملها و راجع نفسك قبل أن تلومها على برودها أو عصبيتها! 

أما من ناحية المرأة، فيتوجب عليها أن تدرك جيدا أنه لن يشعر بها أحد وخصوصا زوجها إذا لم تتكلم! لا يملك الرجل قوى خارقة تمكنه من قراءة ما يدور في عقلك يا عزيزتي! لذلك فإن أهم شيء تفعليه عندما تشعرين بالملل والإرهاق والتعب هو أن تقولي لزوجك! 

ومن المهم جدا في هذه الحالة أن تختاري الأسلوب المناسب والوقت المناسب للكلام، فلن يفيدك الكلام أبدا ولن يستوعبه ولن يفهمه زوجك أبدا لو أنك تحدثتي بعصبية أو لو أنكِ بدأتي في تعداد ما تقومين به وكأنك تقومين بالمَن على زوجك…في هذه الحالة لن يستمع إليكِ أبدا…لابد أن يكون أسلوبك فيه رقة وأنوثة …مثلا: بدل أن تقولي له وأنت واقفة أمامه ويدكِ على وسطك “أنا متعبة أعمل طوال النهار وأخدم بيتك وأولادك” يمكنك أن تقولي ذلك بطريقة ألطف…اجلسي بجانبه واحضنيه … وأمسكي يديه وانظري في عينيه وقولي له أنك محتاجة له..و أنك تفتقدينه وأنك مشتاقة له… وبعد ذلك يمكنك أن تخبريه بكل لطف “لا أعرف ما الذي أشعر به هذه الأيام …أشعر بخمول وإرهاق وأحتاج حنانك ودعمك وأحتاج منك أن تتفهم وضعي هذه الأيام” ولا أعتقد أن أي رجل يتمتع بالرجولة الحقيقية والشهامة سيتجاهل مشاعرك حينها! 

إن اللين والرقة بإمكانهما صنع المعجزات مع الرجل! 

وهناك أمر لابد أن تدركه المرأة وهو في رأيي أهم من أي شيء آخر:

لابد أن تستوعب المرأة أن الشعور بالملل أو الإرهاق أو التعب هو أمر طبيعي جدا سواء كانت موظفة أو ربة بيت، ولابد أن تتقبل هذه المشاعر ولا تحاول كبتها، وأن تعبر عنها بطرق صحية كأن تتحدث مع زوجها كما ذكرت أعلاه أو تتحدث مع صديقة تثق فيها (صديقة واحدة معروفة بالحكمة والاتزان وسعيدة في حياتها) لا أن تتحدث مع صديقة لا تعرف كيف تسعد نفسها ولا كيف تدير أمور حياتها.

أمر آخر يجب على المرأة أن تفهمه وهو أن لا تضع اللوم على الرجل! إن الزوج ليس مسؤولا عن ضغط العمل الذي تمرين به، وهو ليس مسؤولا عن الإزعاجات التي سببها لك الأولاد في الصباح…وهو غالبا لم يجبرك أن تحملي وتنجبي من أجله هو وحده…أعتقد أن أي امرأة واعية تدرك أن قرار الإنجاب هو قرار مشترك! بعض النساء تصر على أن تنجب عدد كبير من الأطفال في فترة قصيرة (حتى مع رفض الزوج لذلك) ثم عندما تتراكم المسؤوليات عليها، تقوم بلوم زوجها والتشكي منه و من أولاده! 

خطوة ضرورية أخرى يجب أن تقوم بها المرأة عندما تشعر بالملل أو التعب ألا وهي الحركة!

عندما تشعرين بالملل، تحركي! قومي بالمشي أو الرياضة والأفضل طبعا أن تكون الرياضة جزء لا يتجزأ من أسلوب حياتك…إن الكثير من مشاعرنا السلبية مثل الملل والتذمر والتعب قد تكون طاقة سلبية لم تجد لها مخرجا صحيا ولا يوجد أفضل من الحركة والرياضة لخروج هذه الطاقة السلبية! 

كذلك فإن للغذاء أثر كبير على مزاجنا وعلى شعورنا بالخمول والتعب بسرعة فإذا كان معظم ما تأكلينه سكريات ونشويات ودهون، فسوف يؤثر ذلك بشكل سلبي على مزاجك ونشاطك وعلى صحتك بشكل عام! 

إن المرأة هي السكن وهي الحياة، وإذا لم تفهم المرأة نفسها ولم تهتم بصحتها وإذا لم يتفهم الزوج احتياجات المرأة، فسوف تفقد المرأة ما يجعلها قادرة على أن تكون مصدر الحب والبهجة والجمال كما أراد لها الله تعالى.

الرجال من الأرض والنساء أيضاً!

رغم كل ما حصلت عليه المرأة السعودية من دعم ومزايا من قبل حكومتنا الرشيدة واسترجاع لحقوقها البديهية التي كفلها لها الشرع، هل نستطيع أن نقول أن القرارات الملكية السامية تستطيع حل جميع مشاكل المرأة الأسرية والاجتماعية؟ هل تستطيع هذه القرارات حل مشاكل المرأة مع شريكها الرجل وتغيير نظرته لها؟ نعم ولا! 

إن القانون اليوم واضح وحازم فيما يخص المرأة السعودية، لكن يبقى تعامل الرجل مع زوجته هو المحك الحقيقي لرجولته وحسن أخلاقه إذ لا تزال هناك أمور عالقة لن يحلها سوى الرجل والمرأة أنفسهما.

ومن هذه القضايا العالقة هي طريقة تفكير الرجل ونظرته الدونية للمرأة والتي تجعله يجد الحجج والمبررات لاضطهاد شريكة حياته وإهانتها. 

للأسف الشديد لا يزال الكثير من الرجال اليوم يعيشون بعقلية متحجرة متخلفة فيما يتعلق بالمرأة وبدورها في البيت والمجتمع، فهي في نظرهم كائن ناقص و أقل درجة من الناحية الفكرية والعقلية وأن قيمتها محصورة فقط في كيفية إدارتها لبيتها وأدائها لواجباتها الأسرية كزوجة وأم.

ولا تزال الكثير من النساء إلى اليوم يُضطهدن لفظيا ومعنويا وجسديا وذلك لأن بعض الرجال لدينا للأسف الشديد مرضى بالتحكم والسيطرة وبمرض القوة المطلقة التي تعبر عن رجولتهم (حسب فهمهم). 

وقد نجد زوجاً لا شاغل له سوى تحطيم زوجته وإشعارها بأنها غبية أو تافهة أو مقصرة تلميحا أو تصريحا وذلك حتى يشعر برجولته وتفوقه عليها. بعض الرجال مرضى فلا يشعرون برجولتهم إلا إذا كسروا زوجاتهم وقللوا من شأنهن.

ونجد نفس هذا النوع من الرجال الذي يخنق المرأة ويحاصرها ويذلها بمسألة الواجبات المنزلية والأسرية، نجد هذا النوع يتدخل في كيفية إدارة المرأة لبيتها وتربيتها لأبنائها، بل ويسحب منها القدرة على إتخاذ قرارات أساسية متعلقة ببيتها ومسكنها وطريقة إدارتها وتنظيمها لحياة أبنائها. والأسوأ أن هناك من يجعل حياته الأسرية وعلاقته الزوجية موضوع قابل للنقاش والتداول بين أهله وأقربائه، فلا يعود للزوجة مكانة ولا رأي في أدق تفاصيل حياتها، فالرأي الأول هنا لعائلة الزوج أو والدته أو والده. وكل ذلك القهر يتم بإسم الدين، والدين بريء من هذا الظلم والاضطهاد والتهميش للمرأة في بيتها ومع زوجها وأولادها! ولا يشفع للمرأة في مثل هذه الحالة ذكائها ولا تعليمها ولا ثقافتها، فالجهل والموروث القديم والعادات الأسرية السائدة في عائلة الزوج هي التي تحكم حياة تلك الزوجة وتتحكم فيها!

هذا النوع من الرجال لا يزال يرى المرأة تابعة له، ولا يعرف من العلاقة الزوجية سوى الفراش وخدمة الزوجة له و للبيت والأولاد…أما الكلمة الحلوة، الوقت الخاص بينه وبين زوجته، الترفيه الأسري، المشاركة في المسؤوليات، والحوار الثري لمناقشة قضايا الأسرة والأبناء، فهي خارج قاموس حياته، وقد تربى هذا النوع من الرجال للأسف على أن الكلام الحلو للزوجة ضعف وإظهار الحب للزوجة ومعاملتها بالحسنى وإعطائها المشورة والرأي في شئون بيتها وحياتها يعتبر انعدام للرجولة، فإن مفهوم الرجولة في رأي هذا النوع هو قهر المرأة وكسرها وتحجيمها وذبذبة شخصيتها وجعل الكلمة الأولى والأخيرة له ولوالدته أو أخته أو حتى شيخ قبيلته…كل من في أسرته أهم من زوجته…كل فرد في أسرته له كلمة إلا الزوجة، فهي مجرد تابعة وخادمة تنفذ ما يسعد الزوج وأهله. 

هذا النوع من الرجال تربى على أن أي اتصال روحي وفكري وعاطفي بينه وبين زوجته سوف يجعله أقل رجولة ويفقده مكانته وقوته…إنه يخاف من هذا الإتصال الإنساني بينه وبين زوجته لأنه لم يعتد على الغوص في اعماقه ولم يعتد على العلاقات الدافئة، فالمشاعر بالنسبة إليه تشكل تهديدا لقوته المزعومة، والعلاقة بينه وبين المرأة يجب ان لا تتجاوز علاقة الجسد والمسؤوليات والواجبات والحقوق فقط! 

ولا تستغربوا فهذه النوعية “العتيقة” لا تزال موجودة وبكثرة…وذلك الزوج الذي يمنع زوجته من إكمال تعليمها أو يمنعها من العمل بحجة الاهتمام بالبيت والأطفال هو نفسه الذي يهينها ويقلل من قدراتها الفكرية لأنها  ربة بيت!

قمة التناقض والإزدواجية في فكر هذه النوعية من الرجال! 

وأنا هنا لا أشن حربا على الرجل ولستُ ضد أن يحترم أهله ويقدرهم ولستُ ضد أن تقوم المرأة بواجباتها في البيت نحو زوجها وأبنائها، لكني ضد الظلم والإهانة وضد أن يعطي الرجل للجميع حقوقهم ويقدرهم حق قدرهم بينما يكسر زوجته ويحطمها ولا يجعل لها أي كلمة في بيتها.

إن كسر الزوجة وتهميشها في بيتها ليس رجولة، بل دناءة وضعف ويدل على انعدام ثقة الرجل بنفسه، فلا يهين المرأة إلا لئيم الطبع، مريض النفس. إن إقحام آراء الآخرين في حياة الزوجة يتنافى مع أبسط أبجديات الحياة الزوجية السعيدة ويتنافى مع أبسط مباديء الخصوصية والاستقلالية. 

إن معاملة الزوجة بجفاء والتلفظ عليها بأقوال فيها تقبيح لشكلها ومقارنتها بنساء تصرف عليهن الآلاف ليصبحن مثل الدمى البلاستيك أو التقليل من عقلها وذكائها ليس رجولة ولا قوة، بل عقدة نقص لدى الرجل. 

لا داعي لأن تكسرها حتى تشعر برجولتك، بل ارتقِ بها وبنفسك حتى تسعد معها. 

إن حياةً زوجية يسودها تحطيم الرجل لزوجته ما هي إلا حياة تعيسة جدا للطرفين، ولا يوجد رجل يمكنه أن يشعر بالأمان والسكن والسعادة حقا مع زوجة مكسورة لا تشعر بثقة في نفسها أو قدراتها العقلية أو شخصيتها أو جمالها. 

وللأسف فإن هؤلاء الرجال الذين يتصرفون بهذه الطريقة هم نتيجة لتربية قاسية جاهلة أو تربية متزمتة، متطرفة دينيا وليسوا نتيجة لتربية أم وأب يتسمان بالعلم والوعي والفهم الصحيح للدين. وهذا النوع من السلوك الذكوري المتسلط نتيجة أيضا لتعريف المجتمع للرجولة ولحصر مفهومها في النسب والطول والحجم الضخم والقوة الجسدية والسيطرة والتحكم والمكانة العالية وذلك بطبيعة الحال ليس في مقدور جميع الرجال، إذ لا يتمتع جميع الرجال بالقوة الجسدية أو الطول أو النسب الرفيع، وقد لا يجد بعضهم مكانة كبيرة في المجتمع بسبب بساطة وظيفته أو قصوره في بعض تلك الجوانب المادية، فلا يجد أحدا يفرض عليه مقاييس الرجولة السطحية من تحكم وسيطرة وشعور بالقوة والفوقية سوى زوجته الغلبانة!

نعم..لدينا رجال مرضى ومعقدون بسبب تلك المقاييس الذكورية المادية لمعنى الرجولة! 

 هي عقد الطفولة والمراهقة والشباب كلها تظهر على الزوجة المسكينة! ومن المعروف أن الإنسان المتنمر أو المؤذي هو في الأصل ضحية للتنمر والأذى.

من المهم جدا أيضا أن لا تفهم النساء كلامي على أنه تحريض لهن لتقليل احترام الزوج وأهله أو للامتناع عن أداء واجباتهن الأسرية والمنزلية، فأداء الواجبات والمسؤوليات لا خلاف فيه وليس موضوعا للنقاش. إن ما أود هو قوله للمرأة هو أن تحاول أن تتفهم خلفية زوجها الأسرية والثقافية وتحاول احتوائه بالحب واللين والحنان والرقة والصبر الكبير لعل وعسى أن يجعله ذلك يرى جانبا في الحياة الزوجية غير القسوة والتسلط والتحكم.

إن الخصام والعناد وتبادل الاتهامات والصراخ في مثل هذه  الحالة لن يزيد الزوج إلا إصرارا على أسلوبه القبيح في تعامله مع الزوجة، وكذلك فإن الطلاق ليس الحل الأول لمثل هذه المشاكل، فهناك حلول سلمية يمكن أن تلجأ لها الزوجة قبل أن تفكر في الطلاق خصوصا إذا كانت تريد الحفاظ على أسرتها و رأت في الزوج صفات نبيلة قد تبشر بتغيير محتمل. 

المسألة تحتاج لصبر و وعي من الزوجة و أعرف أنه ليس أمرا سهلا على أي زوجة أن تعيش هذا النوع من الاضطهاد لكن الاجتهاد في حل المشكلة لن يضر…ويبقى البقاء أو الطلاق خيار المرأة وحدها في مثل هذه الحالات. 

ولكن قبل أي شيء، لابد للمرأة التي تريد أن تستمر مع زوج من تلك النوعية أن تعمل على تطوير نفسها وتقوية شخصيتها من الناحية الروحية والفكرية والمادية وأن تخلق لنفسها عالما خاصا يشحنها بالطاقة لمواجهة تحديات الحياة مع زوج مؤذٍ…و أعتقد أن هذا الكلام يفيد جميع النساء وليس فقط النساء اللواتي يعانين مع زوج مضطهِد وظالم. 

إننا اليوم نبدأ عهدا جديدا في بلادنا الحبيبة، و الرجل والمرأة وعلاقتهما سواء في الزواج أو العمل تعتبر عاملا مهما جدا لبناء مجتمع سليم قائم على الحب والمودة والإحترام والتفاهم والمشاركة.

إن القوانين الجديدة فيما يخص المرأة وفيما يخص الزواج واضحة وصارمة، لكن القوانين لن تجعلنا أكثر سعادة ولن تجعلنا نعيش في سلام مع الجنس الآخر بدون أن نغير طريقة تفكيرنا_ نساءً و رجالا_ فنحن شركاء في هذه الحياة ولسنا أعداء، ولن نستطيع أن نبني مجتمعنا ونربي أبنائنا بينما الرجل ينظر للمرأة على أنها مجرد جسد أو كائن أقل والمرأة تنظر للرجل على أنه مصرف متنقل أو كائن متوحش متسلط.

في رأيي المتواضع إن جميع القوانين الجديدة التي جاءت في صالح المرأة ما هي إلا أساس قوي للبداية السعيدة والمتزنة، لكن هذه البداية لن تحدث بأخذ الحقوق فقط، بل بعمل وجهد من المرأة لتسعد نفسها وبجهد من الرجل ليزيح عن عقله الموروثات البالية حول تفوقه الفطري وسيادته على المرأة لأن الحصول على الحقوق لن يجعل من أي امرأة سعيدة داخليا ولن يصلح ما بينها وبين الرجل إذا لم يغير الرجل طريقة تفكيره حول المرأة وإذا لم تسعَ المرأة لتطوير نفسها عاطفيا وفكريا!

القوانين العادلة موجودة…والباقي على كل رجل وامرأة، فتعاملهما مع بعض هو المحك الحقيقي لأخلاقهما وتربيتهما. إن القوانين الجديدة ستظهِر معدن كل إنسان وفكره وثقافته، فلا عذر لأحد اليوم في أن يتصرف بجهل أو اضطهاد لغيره. 

وفي نهاية الأمر، فإن كل ما نريده _نساءً ورجالاً_ هو الحب والنجاح و راحة البال، ومهما كانت خلافاتنا الفكرية و اختلافاتنا البيولوجية، فنحن من نفس الكوكب … خلقنا من نفس الطين و نستنشق نفس الهواء ولدينا نفس الضعف والرغبات والأمنيات ….فالرجال ليسوا من المريخ والنساء لسن من الزهرة، بل الرجال من كوكب الأرض والنساء أيضا!

عن الأمومة

قبل حوالي أربعة وعشرين عاما كان الجميع يريد أن يقرر لي أسلوب حياتي بعد أن تخرجت من الكلية مع مرتبة الشرف. في الأشهر الأخيرة لي في الكلية، كنتُ أنتظر الحدث السعيد: ولادة ابني البكر، لذلك قررتُ بكامل إرادتي واختياري أن أبقى في البيت بعد التخرج حتى أتفرغ لطفلي وحتى أعتني به بنفسي لأني كنتُ أرفض فكرة أن أجعل أحدا غيري يربي طفلي أو يهتم به…لا جدة ولا ست ولا شغالة ولا مربية…فقط أنا.

فهو طفلي الذي حملتُ به باختياري لذلك فهو مسؤوليتي أنا و والده فقط.

بعد التخرج، عُرضت عليّ عدة وظائف ممتازة وفرص عمل كثيرة كانت تعتبر فرصا ذهبية وقتها، لكني رفضتها جميعا بدون تفكير…بدون تردد…وبقناعة تامة.

كنتُ أريد أن أعيش تجربة الأمومة كاملة بدون أن يؤثر عليها شيء. كنتُ أريد أن أكون موجودة وحاضرة في كل دقيقة في حياة طفلي الغالي. كان اختياري وقراري الذي لم يحترمه أحد للأسف!

البعض أصيب بصدمة من قراري بالبقاء في البيت “بدون عمل” وكأن الأمومة ليست عملا! البعض غضبوا مني وعليّ: “كيف لشابة ذكية مثلك أن تدفن نفسها هكذا وتضيع موهبتها وطاقتها في البيت؟” والبعض اتهمني بالكسل وبانعدام الطموح!

والبعض بدأ يشكك في ذكائي (المعروف) والبعض الآخر بدأ يشكك في صحة عقلي!

لكني لم أستمع إلى أي أحد منهم! لم أهتم بما يقولون. استشرت زوجي في الأمر فقال لي: “القرار قرارك وحدك ولن أتدخل فيه أبدا، لكني سوف أدعمك أيا كان قرارك!”

وبعد فترة أنجبت ابنتي وبدأت في تحضير رسالة الماجستير. كانت الظروف حينها مهيأة لي وكان برنامج الماجستير مرنا بحيث أستطيع أن أكون مع ابنتي أطول وقت ممكن، حيث كانت لقاءاتي مع مشرفة البحث مرة واحدة في الشهر.

وعندما كبر ولدي ودخل المدرسة وكبرت ابنتي وأصبحت في سن الروضة، عملتُ في مدرسة خاصة ممتازة وكنتُ آخذ ابنتي معي في روضة المدرسة، وكنتُ أطل عليها كلما أردت لأنها كانت في نفس المبني.

وبعد بضعة سنوات أخرى أنجبتُ طفلي الثالث، وقدمتُ استقالتي من المدرسة حتى أتفرغ لطفلي تماما وحتى أعطيه حقه من الرعاية كما فعلت مع أخيه وأخته.

لكن بعد عدة أشهر من ولادة طفلي، قامت المدرسة بالتواصل معي للعودة للعمل معهم حيث كانوا يحتاجونني، فقبلت بشرط أن أعمل بدوام جزئي وبشرط أن يكون هناك مكان لولدي الصغير في حضانة المدرسة، و طبعا وافقوا وعملت معهم 6 أشهر بنظام الدوام الجزئي ثم قدمتُ استقالتي نهائيا من المدرسة.

بعد ذلك بحوالي 8 أشهر، جاءني عرض عمل مغري جدا في كلية دار الحكمة، فقبلت لأنه كانت لديهم حضانة لأطفال الموظفات، وعملت في الكلية لمدة 6 أشهر بدوام جزئي حتى لا أغيب عن بيتي فترة طويلة.

قبلت العمل في دار الحكمة لأنها كانت بيئة مناسبة لي…مناسبة لشخصيتي وفكري… ولأنها مؤسسة تحترم المرأة كإنسانة وأم قبل كل شيء، وتقدر دور الأم في حياة طفلها. قبلت العمل لأن إدارة دار الحكمة إدارة واعية تدرك جيدا أن الموظفة إذا ارتاحت نفسيتها تجاه أطفالها الصغار وإذا اطمأنت عليهم، فسوف تعطي وتبدع في عملها وتنجز ما عليها.

ومنذ ذلك اليوم، وأنا أعمل في دار الحكمة التي أصبحت جامعة فيما بعد والتي أصبحت مثل بيتي الثاني. وخلال سنوات عملي في دار الحكمة تطورت ونضجت وتعلمتُ الكثير وأنجزت الكثير وحققت طموحاتي في الكتابة والمسرح وحققت أشياء كانت أحلاماً بعيدة المنال بالنسبة لي!

خلال تلك السنوات أيضا، كتبت ما يزيد على 100 مقال لعدد من المجلات وعملت في التحرير والترجمة وقمتُ بتأسيس نادي المسرح في الجامعة وكتبت وأخرجت عدة مسرحيات. وبعد ذلك تطور نادي المسرح ليصبح كورس رسمي أقوم بتدريسه في الجامعة. وبعد ذلك قمتُ بنشر مجموعتي الشعرية باللغة الانجليزية. وحاليا أعمل على كتابي الثاني باللغة العربية.

وكما ترون، فالأمومة لم تكن عائقا أمام العمل والطموح بالنسبة لي، لكن طوال حياتي كان أبنائي في أعلى قائمة أولوياتي وكانت ولا تزال لدي خطوط حمراء فيما يتعلق بهم ومن أهم تلك الخطوط الحمراء هي أن لا تعتني بهم خادمة وأن لا ألقي بمسؤوليتهم على أمي أو على جدتهم. ولا أنكر بالطبع فضل أمي في مساعدتي خصوصا في مرحلة الماجستير، لكني لم ألقِ يوما بالمسؤولية كاملة عليها، ولا أحبذ فكرة أن تحل الجدة محل الأم تماما وأن تقوم بجميع مسؤولياتها، وأرى أن في ذلك نوع من الاستغلال للجدة…أمي التي أفنت شبابها من أجلي وتعبت وربتني طوال حياتها من حقها أن ترتاح عندما تكبر في العمر، بل يجب أن تُخدَم لا أن تخدِم. كما أن أطفالي هم مسؤوليتي أنا و والدهم وليسوا مسؤولية أحد آخر، وأنا محاسبة ومسؤولة أمام الله تعالى عنهم.

قد لا أكون حققتُ إنجازات هائلة بمقاييس عالمية وقد أكون تأخرت قليلا عن زميلاتي في تطوري المهني، ولكني سعيدة وقانعة بما حققته، بل فخورة بنفسي و بإنجازاتي البسيطة.

لقد عملتُ وفق شروطي و وفق قناعاتي ومعاييري.

أبنائي لم يكونوا يوما حملا ثقيلا عليّ…و لم يكونوا يوما عائقا أمام تقدمي وطموحي وعلمي، لكن العوائق الحقيقية أمام تطور المرأة ونموها المهني هي تلك الأنظمة التي تضعها المؤسسات لموظفاتها…تلك الأنظمة التي تدفع المرأة المتزوجة و بالأم خارج مكان العمل أو تضغط على المرأة لتتخلى عن أمومتها ومسؤولياتها كزوجة وأم أو لتجعلها ممزقة بين أطفالها الذين تركتهم مع الخادمة وبين عملها الذي يستهلك كل جهدها وصحتها وعافيتها بحيث لا يعود لديها  طاقة لتهتم بأطفالها ولتكون معهم بقلبها وعقلها.

لقد رفضت أن أعمل في مؤسسات كثيرة لأنها لا تحترم إنسانيتي ولا تحترم أمومتي، وأحث كل امرأة أن ترفض أن تقع تحت هذا الضغط بحجة الطموح. إذا أردتي أن تكوني أما، فلا تكبتي هذه الرغبة من أجل الطموح والعمل، فالأمومة حالة تشعرنا بالإمتلاء العاطفي وتعلمنا معنى الحب الحقيقي، وإذا ضاعت فرصة أن تكوني أما، فلن تعود…أما فرص العمل، فهي تذهب وتعود…ولا حدود للفرص التي يمكن أن تجديها وقتما تريدين و وقتما تكوني مستعدة لذلك!

لا أندم على أي مرة قررت فيها أن أختار أطفالي وبيتي وأسرتي على العمل أو الدراسة!

فخورة بانجازاتي الصغيرة وفخورة بأبنائي، فهم أصدقائي الذين كبرت معهم وتعلمت ولا زلت أتعلم منهم الكثير!

وأعترف اني لستُ أفضل أم، وأدرك أنني أخطأت كثيرا في تربيتهم، لكني فعلت من أجلهم كل ما أستطيع حسب فهمي وعلمي و وعي في ذلك الوقت…و فعلت كل ذلك بحب كبير.

وأقولها مرة أخرى، إن الأنظمة والمؤسسات التي لا تحترم أمومتي، لا تستحق أن أعمل لديها ولا تستحق جهدي وطاقتي، فأمومتي جزء من وجودي وكياني كموظفة، ولا أحترم ولا أقدر أي مؤسسة عمل تجعل من سعادتي كزوجة وأم أمر شبه مستحيل! 

نحن نعيش في زمن مليء بالتحديات ومن هذه التحديات محاولة بعض من لهم توجهات وأجندة معينة أن يقوموا بتحطيم مفهوم الأمومة والتقليل من شأن الأم والبعض الآخر يجعل المرأة التي تختار مثلا أن تجلس في البيت لرعاية أطفالها _يجعلها تشعر بأنها غير مهمة وبأنها تضيع وقتها وطاقتها وبأنها عاطلة ولا تقدم شيئا لمجتمعها.

لا تسمحي لمثل هذه الأفكار أن تتسلل إليكِ وتدمر معنوياتك، فأنتِ تؤدين رسالة عظيمة لنفسك ولطفلك وقد تكون أعظم بكثير مما يمكن أن يؤديه أي شخص يجلس في مكتب ليقوم بعمل روتيني يمكن لأي شخص آخر أن يحل محله…أما أنتِ فلا يمكن لأحد أن يحل محلك في حياة طفلك…أنتِ أغلى وأهم من أن يتم استبدالك.

كما أننا نعيش اليوم في عالم حر متطور ومن أبسط حقوقك كامرأة هو أن تختاري بوعي ما تريدين فعله، فإذا شعرتي أنكِ تريدين أخذ إجازة من العمل لفترة أو إذا شعرتي أنك لا تريدين العمل إلى أن يكبر أطفالك، فافعلي ذلك ولا تستمعي لأي أحد، فهذه حياتك وهذا طفلك والقرار قرارك وحدكِ وليس من حق أحد تهميشك أو إشعارك بالسوء بسبب خياراتك، ومن يفعل ذلك فهو شخص غالبا جاهل أو غير مهتم بالأمهات والأطفال.

إن قرار البقاء في المنزل أو العمل خارج المنزل هو قرار شخصي جدا، فإذا لم ترغبي بالعمل خوفا على طفلك من أن يبقى مع خادمة أو يبقى مع شخص لا يستطيع رعايته حق الرعاية، فاتركي العمل ولا تخافي على أي فرصة وظيفية قد تفوتك، ففرص الحياة تذهب وتعود ولا أحد يعلم الغيب والفرص القادمة سوى الله تعالى. لن يفوتك شيء، لكن طفلك سيكبر بدونك وسوف تفوتك أجمل وأهم لحظات حياته. وهذا لا يعني أن تنعزلي عن الحياة وتتركي شغفك وهواياتك، لكن ذلك يعني أن تكوني أكثر وعيا بأهمية دورك كأم وأهمية تنظيمك لحياتك وتحديدك لأهدافك وأولوياتك بحيث تحققين ما تطمحين إليه بدون الاضطرار للتضحية بتربية طفلك والاستمتاع بوجودك معه.

إن رعايتك لطفلك ليست قيدا ولا سجنا، بل هي قرار يدل على نضجك وفهمك واستقلالية فكرك وقدرتك على تحمل المسؤولية بجدارة. إن رعايتك لطفلك سوف تأخذ جزءا من وقتك وحياتك بلا شك ولكنها لن تأخذ حياتك كلها. التوازن مهم جدا والأهم هو ارتياحك واستقرارك النفسي لأي قرار تأخذينه. ونحن اليوم في زمن الإنترنت والتكنولوجيا حيث يمكن لأي امرأة أن تطور نفسها وتمارس هواياتها وشغفها وهي في بيتها، فالأمومة ليست قيدا والخيارات والفرص وفيرة ولله الحمد.

إن الإنجاز لا يجب أن يكون عاليا صاخبا يراه الجميع. الأمومة الواعية إنجاز عظيم لا يقل عن أي إنجاز مهني.

كوني أما واعية محبة ولا تكوني مجرد أم تطعم وتنظف وهي تشعر بالهم والمسؤولية، فذلك الشعور بثقل الحِمل لن يجعلك تشعرين بشعور أفضل، بل سوف يزيد من صعوبة الأمر عليكي وعلى زوجك. افخري بهذا الدور واستمتعي به، فأنتِ وطفلك و زوجك تستحقون العيش بحب حتى تسهل عليكم تحديات الحياة.

خواطر شبحة… مسرحية سعودية بفكر نسائي

 IMG_2073

ليس هناك أقدر من المرأة السعودية على تناول قضاياها ورصد معاناتها ومشاكلها، وعندما تتوفر للمرأة السعودية الحرية للتعبير عن رأيها وتجتمع مع الثقافة والوعي، فالنتيجة ستكون مذهلة بالتأكيد! عندما قامت الكاتبة والروائية سحر بحراوي بإطلاعي على مسرحيتها خواطر شبحة في بداية صيف 2017م بهرني عملها الإبداعي المجنون وعندما طلبت مني أن أقوم بإخراج المسرحية لم أستطع مقاومة إغراء العمل في مسرحية بهذا القدر من الجمال والاتقان رغم كل مشاغلي والتزاماتي الأخرى!

مسرحية خواطر شبحة تنتمي إلى مدرسة المسرح الحديث التي أسسها الكاتب النرويجي هنريك إبسن والكاتب الإيرلندي برنارد شو وهي نفس المدرسة التي تنتمي إليها أعمال الكاتب المصري لينين الرملي والفنان محمد صبحي. خواطر شبحة مسرحية كوميدية تتناول قضايا جادة بأسلوب كوميدي يحث على التفكير و التحليل في نفس الوقت بعيدا عن التهريج والابتذال والألفاظ القذرة الشائعة في الكوميديا المعاصرة. تتناول المسرحية واقع وقضايا المرأة السعودية خلال الستين عاما الماضية إلى يومنا هذا في إطار من الفانتازيا مع الكثير من السخرية اللاذعة وتدور أحداث المسرحية في مقابر أمنا حواء بمدينة جدة حيث تلتقي الثلاث شبحات (هيا القصيمية ومروة المصرية وهيفا الجداوية) وتبدأ كل واحدة منهن بسرد قصتها. تتطرق المسرحية لقضايا هامة مثل الولاية على المرأة والتفريق بين الزوجين لعدم كفاءة النسب والعنصرية وقيادة السيارة. بالإضافة إلى الحوار العميق في المسرحية، قامت  الكاتبة بدمج أربع استعراضات مرحة وجعلتها جزء من حبكة المسرحية، وبذلك اكتملت عناصر المسرحية من حيث الفكر الراقي والموسيقى المرحة و الترفيه الراقي! ما لفت نظري أن المسرحية انتهت “بنبؤة” جميلة حيث يقول أحد الأموات غاضبا في المشهد الأخير: “سمحوا اليوم للحريم بالسواقة!” ولم أكد أستوعب المسرحية وأناقش احتمالات إخراجها مع سحر حتى فوجئنا جميعا بالخبر السار عن السماح للمرأة بالقيادة، فكان الخبر حافزا لنا للبدء فورا بالحصول على تصريح وزارة الثقافة والإعلام و تصريح ودعم هيئة الترفيه وكذلك تصريح أمارة منطقة مكة المكرمة- محافظة جدة. وبمجرد حصولنا على التصاريح قمنا بالإعلان عن تجارب الأداء للمسرحية! وما أن أعلنا عن تجارب الأداء حتى انهالت علينا المتقدمات للعمل من جميع أنحاء جدة!

تقدمت للتجارب أكثر من 70 فتاة وسيدة ما بين سعودية ومقيمة واستغرقت تجارب الأداء حوالي 3 أسابيع حتى استطعنا أن نستقر على اختيار الممثلات والحق يقال أننا تعرفنا على كثير من المواهب الشابة الجميلة.

وبعد تجارب الأداء بدأنا التدريبات فورا واستغرقت حوالي 4 أشهر بمعدل 3 أيام في الأسبوع لمدة 4 ساعات في كل مرة! كانت التدريبات مرهقة ومكثفة لكن روح المرح و التعاون كانت سائدة بين الممثلات و الاستعراضيات، فكن خلال 4 أشهر مثل الأسرة الواحدة قلوبهن على بعض وكل واحدة تقدم ما تستطيعه لمساعدة زميلاتها ولم يكن هناك مكان للمنافسة أو الغيرة فكل واحدة كانت تعرف مميزاتها وتعترف للأخريات ببميزاتهن وتقوم بتشجيعهن من قلبها! فريق ذا روح جميلة بمعنى الكلمة!

الجميل في المسرحية أنها إبداع وفكر ومجهود نسائي 100% مع الاعتراف بدعم الرجال في حياتنا لنا فكل الشكر لزوج الأستاذة سحر – الأستاذ خالد السليماني ، و لزوجي الحبيب الأستاذ مازن الشريف على صبرهم علينا و على دعمهم المعنوي المنقطع النظير! وكذلك شكرا لستوديو WAMM للأستاذ وائل نور إلهي على الموسيقى والمؤثرات الصوتية. 

لكن الأجمل من هذا كله هو أن العمل ليس مستوردا وليس نصا جاهزا من ثقافة أخرى أو من بلد شقيق، بل هو نص أصيل من صميم البيئة السعودية!

سحر و أنا نهدف إلى تقديم مسرح احترافي يعبر عن قضايانا وفكرنا كنساء وفي نفس الوقت نريد تقديم مادة ترفيهية راقية وغير مبتذلة. وعن طريق هذه المسرحية وغيرها بإذن الله تم وسوف يتم توفير فرص وظيفية للعديد من الشابات الممتلئات بالطاقة و الحيوية.

 

من هي سحر بحراوي؟

 المنتجة والمؤلفة هي الأستاذة سحر سمير بحراوي وهي سيدة سعودية من أسرة علم وفكر تخرجت من مدارس دار الفكر عام 1996م والتحقت بالجامعة الأمريكية في القاهرة وتخصصت في علم النفس مع تخصص ثانوي في الفنون المسرحية. تخرجت من الجامعة الأمريكية عام 2000م وحصلت على الماجستير في التسويق عام 2006م.

عملت مديرة للتسويق إلى عام 2017م. و للأستاذة سحر أيضا رواية بعنوان سجين الجسد أصدرتها في عام 2014م و قامت بإصدار روايتها الثانية آمنة في عام 2017م.

وتعد مسرحية خواطر شبحة عملها الرابع والتي كتبتها بعد رواية Confined والتي كتبتها باللغة الانجليزية وسوف يتم نشرها في منتصف عام 2018م. و للأستاذة سحر أيضا مساهمات مميزة في المسرح حيث تبنت فكرة الليلة الثقافية وقامت بإدارتها وتنسيقها في عام 2007م في جامعة دار الحكمة وقامت أيضا بإدارة ليلة ثقافية ثانية في عام 2016م في جامعة دار الحكمة بعنوان تناغم الحضارات. والمناسبتين حصدتا حضورا جماهيريا نسائيا كبيرا ونجاحا فريدا من نوعه.

لكن سحر كان لها حلم أكبر ألا وهو تقديم عمل مسرحي احترافي وسعودي الفكر واللغة وقد كان هذا حلمي أنا أيضا، وليس هناك أجمل من أن تجد شريكا لك في الأحلام الكبيرة أو التي يعتقد الآخرون أنها مستحيلة!

من هي مها نور إلهي؟

مخرجة مسرحية خواطر شبحة. محاضرة في جامعة دار الحكمة منذ عام 2007م، وتقوم بتدريس مادة مهارات التواصل ومادة فنون المسرح.

حاصلة على الماجستير في الأدب الانجليزي تخصص مسرح وهي أيضا كاتبة باللغتين العربية والانجليزية وشاعرة باللغة الانجليزية. صدرت مجموعتها الشعرية الأولى A Saudi Woman’s Voice  في عام 2015م.

لها مئات المقالات التي تم نشرها في جريدة المدينة و الوطن منذ عام 2003 إلى عام 2009م وعلى مواقع الكترونية مختلفة. وقد قامت أيضا بكتابة عدد من السكتشات المسرحية وقامت بتقديمها في جامعة دار الحكمة منذ عام 2007م إلى عام 2014م. وقامت بإخراج مسرحية سيدتي الجميلة للكاتب برنارد شو في عام 2004م في مدرسة جدة الخاصة وأخرجتها مرة أخرى في عام 2014م وتم عرضها على مسرح جامعة دار الحكمة. شاركت في الليلة الثقافية تناغم الحضارات وقامت المخرجة أيضا بكتابة سيناريو وحوار قصة الدكتورة أروى خميس حفلة شاي في قصر سندريلا وقد تم أداءها من قبل طالبات مادة الفنون المسرحية في جامعة دار الحكمة وتم عرضها مرتين في ديسمبر الماضي و يناير على مسرح الجامعة.

 FullSizeRender (2)

فريق عمل مسرحية خواطر شبحة

التأليف و الإنتاج:

سحر بحراوي

الإخراج:

مها نور إلهي

مدربة الاستعراضات:

هناء الصبان

التمثيل

بطولة:

دارين البايض

(يوتيوبر ومقدمة برامج)

آلاء الجحدلي

(يوتيوبر وإعلامية )

شروق الطيب

(طالبة في جامعة عفت قسم إخراج)

مع النجمات

وعد المبيريك

(طالبة في جامعة دار الحكمة قسم علوم النطق والسمع واللغة)

أسماء الجرب

(طالبة)

آمنة الجرب

(طالبة)

فوزية الجرب

(طالبة)

منيرة عبد الواحد

(موظفة في القطاع المالي – ماجستير إدارة أعمال من جامعة دار الحكمة)

ربا الخريجي

(طالبة في قسم البنوك و التمويل بجامعة دار الحكمة)

فريق الاستعراض:

مها الوتيد

(خريجة علوم إدارية مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة الملك عبد العزيز)

لجين أبو صبحة

(طالبة في قسم العمارة والتصميم بجامعة دار الحكمة)

ريم الشريف

(طالبة في قسم العمارة والتصميم بجامعة دار الحكمة)

شيماء الأفندي

(خريجة قسم القانون بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف من جامعة دار الحكمة)

ميمونة الهوساوي

(خريجة قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية من جامعة الملك عبد العزيز

وموظفة في القطاع الخاص قسم السجلات الطبية)

سارة أبو صبحة

(طالبة)

رواف نحاس

(طالبة في قسم العمارة والتصميم بجامعة دار الحكمة)

أمينة أشرف

(مدرية رقص هندي)

إخراج الإضاءة:

مها نور إلهي

سحر بحراوي

مساعدات الإضاءة:

عبير البغدادي

سارة البغدادي

دي جي:

دان الحربي

فوف الأحمدي

 إدارة المسرح:

مها نور إلهي

مساعدة المسرح:

إيمان العمودي

تنظيم الكواليس:

غدير الشريف

ماريا الشريف

مريم با عجاجة

أفنان العمر

لمياء الزنبقي

رغد بغدادي

تم وبحمد الله عرض المسرحية في 8 فبراير على مسرح جامعة دار الحكمة – راعية الثقافة و الفكر والفن الراقي!

وقد لاقت المسرحية استحسان وإعجاب الحاضرات اللواتي أبدين انبهارهن بمستوى الحوار و الأداء والإخراج.

وسوف يتم تقديم المسرحية سبع مرات أخرى في الأيام التالية:

شهر فبراير:

السبت – 17 فبراير من 8:15 مساء إلى 9:30 مساء

الخميس – 22 فبراير من 9 مساء إلى 10:15 مساء

شهر مارس:

الخميس – 15 مارس من 9 مساء إلى 10:15 مساء

الخميس – 22 مارس من 9 مساء إلى 10:15 مساء

الخميس – 29 مارس من 9 مساء إلى 10:15 مساء

شهر إبريل:

السبت –  14 إبريل من 8:15 مساء إلى 9:30 مساء

الخميس – 26 إبريل من 9 مساء إلى 10:15 مساء

تباع التذاكر في جميع فروع فيرجن بجدة وفي جامعة دار الحكمة وفي نفس يوم المسرحية.

لشراء التذاكر أونلاين، يرجى زيارة الموقع:

https://www.ticketingboxoffice.com/

بقلم:

مها نور إلهي

 

 

 

 

 

تناغم الحضارات: ليس مجرد حدث ترفيهي!

شابة ذكية شغوفة بالتعلُّم، لديها طموح كبير بأن تبدع وتنتج وتخدم أبناء وطنها الحبيب…لديها طاقات كبيرة وإمكانيات عالية وعشق للعطاء حدوده السماء…ولكن…ظروفها المادية لا تساعدها…ظروفها المادية تقف عائقا في وجه شغفها بالعلم والعمل وفي طريق إكمالها لدراستها ومسيرتها العلمية والمهنية ولا تستطيع أن تلتحق بالتخصص الذي ترغبه والجامعة التي توفر لها هذا التخصص…

هذه ليست قصة من نسج الخيال…هذه قصة واقعية لأحلام وآمال تنهار وتتحطم في مجتمعنا مع نهاية كل عام دراسي، حيث تجد الكثيرات من بناتنا المبدعات أنفسهن في وضع لا يحسدن عليه…

وهذا الوضع نراه بأعيننا ونحن نعيش مع قصص مئات الفتيات اللواتي تنهار أحلامهن أمامهن…وأحلام هؤلاء الفتيات ليست أحلاما عادية ..ليست أحلاما لشراء ملابس وحقائب فاخرة…ليست أحلاما للحصول على المال لصرفه من أجل التباهي على قريناتهن، بل هي أحلام جادة للمساهمة في دفع عجلة البناء والتطور في وطننا الحبيب…هي أحلام للعطاء و ليس للأخذ!

وفي كل عام تفكر إدارة جامعة دار الحكمة في ابتكار وسائل لحث رجال ونساء مجتمعنا القادرين و القادرات على تحقيق تلك الأحلام والتي ستعود عليهم وعلى الجميع بالفائدة والأجر العظيم بإذن الله.

هذا العام، بقيادة مديرة جامعة دار الحكمة، الدكتورة الرائعة سهير حسن القرشي، وبتوجيهات منها للعمل على خلق طرق جديدة ومختلفة لتشجيع الجميع على المساهمة في تحقيق الطموح العلمي لبنات وطننا الغالي،قام قسم تطوير الطالبات ونادي المسرح بتنسيق الحدث الضخم تناغم الحضارات، بهدف خدمة عدد من الجوانب في حياتنا.

الهدف الأساسي من تناغم الحضارات هو جمع ريع الحفل لتوفير منح تعليمية لطالباتنا وهذا في حد ذاته بلا شك هدف نبيل، فهل يوجد أعظم من أن نساهم في تعليم فتاة وبالتالي في إدخال السعادة عليها وعلى أسرتها؟ هذه الفتاة التي ستكمل تعليمها في المجال الذي تريده، لن تأخذ شهادة البكالوريوس فحسب، بل ستنتج وتعطي لأسرتها ولمجتمعها…إنها ليست منحة تعليمية لفتاة واحدة فحسب، بل هي هدية منا لمجتمعنا بأكلمه! وهنا يتحقق مبدأ التكافل الاجتماعي كأفضل ما يكون ويتحقق مفهوم تمكين المرأة، فالتعليم هو القوة الحقيقية التي تحتاجها المرأة ويحتاجها المجتمع بشكل عام.

الجانب الثاني الذي يهدف إليه حفل تناغم الحضارات هو الترفيه الذي يعد جزءا لا يتجزأ من احتياجات الإنسان حيث يحتاج المرء أن يرفه عن نفسه من فترة لأخرى حتى يشحذ همته ويشحن طاقاته للاستمرار في أداء مسؤولياته وعمله على أكمل وجه، فهذا ما يجعل الإنسان متوازنا في حياته وبالتالي يصبح أكثر سعادة وأكثر قدرة على العطاء.

الجانب الثالث الذي يهدف إليه الحفل هو إيصال مفهوم التسامح والتفهم والتقبل بين الحضارات والثقافات والجنسيات المختلفة. وهنا تأتي قصة “التناغم”. في ظل كل الخلافات والحروب والعنصرية القائمة في زمننا، يأتي استعراض تناغم الحضارات ليقدم رسالة سلام وحب وحث على تقبل الاختلاف واحترامه مع الاعتزاز بالقيم والمباديء التي تميز كل حضارة وثقافة.

يُفتتح استعراض تناغم الحضارات بمشهد إيمائي ساخر عنوانه “تصادم الحضارات” حيث يبدأ المشهد بحفلي زفاف من ثقافتين مختلفة تماما…حفل زفاف مصري شعبي و حفل زفاف فرنسي…كل فرح له عاداته وتقاليده، فهل سيتقبل أهل الفرحين عادات وتقاليد بعضهم البعض؟ للأسف لا، فأصحاب كل فرح ينظرون للآخر باحتقار ويعتقدون أنهم الأفضل ويحدث بينهما شجار لسبب تافه جدا ألا و هو مفهوم “نحن الأفضل!”.

بعد هذا يبدأ مشهد الحرب…الحرب التي حدثت لأتفه الأسباب…يتقاتل الفريقان في رقصة حرب تعبيرية…وتنتهي الحرب بخسارة الطرفين، فلا يوجد منتصر في أي حرب…وبعدها يبدأ مشهد الفاننازيا…مشهد العودة للحياة…يعودون للحياة وينظرون إلى ما فعلوه في بعضهم البعض بحزن وألم وندم…كان يمكن أن يكون هناك تفاهم وتقارب بينهم، ويكتشفون الأمور المشتركة بينهم…فهناك الأمهات و هناك الآباء المحبين لأسرهم و أعمالهم…وهناك الفتيات الشغوفات بالعلم…إلخ وبعد هذا الاكتشاف المحزن يقررون أن لا شيء يجعل الحياة أفضل مثل الحب والتسامح ومحاولة فهم الآخر.

ومن هنا يأتي مشهد السلام وهو مشهد استعراضي تعبيري عن جمال وروعة التسامح والسلام في حياتنا ومن ثم تبدأ رحلة دار الحكمة في جولة فولكلورية استعراضية إلى خمس ثقافات من حول العالم وهي إفريقيا، البرازيل، بنجلاديش، الهند، سوريا ومن ثم العودة لأرض الوطن السعودية الحبيبة.

الجميل في هذا الحدث الترفيهي أنه منتج سعودي وليس ترفيها مستوردا، فالحفل ترعاه وتدعمه الهيئة العامة للترفيه دعماَ ماديا كاملا، وتقدمه جامعة دار الحكمة على مسرحها الكبير، وتقوم بإدارته كوادر سعودية مميزة على رأسهن الدكتورة سناء عسكول عميدة شئون الطالبات في الجامعة وقسم تطوير الطالبات المكون من شابات سعوديات قمة في الحماس والحيوية مثل أ. أريج فدا، أ. لينا كردي، أ. حنين أسطه، أ. دُنى المحمدي، أ. سارة جمجوم وأ. دينا هوندجي وأ.ميسون الصويغ وأ. هند السحتوت وبعض هؤلاء الشابات خريجات جامعة دار الحكمة أيضا.

العمل ضخم جدا حيث تشترك فيه أكثر من 150 سيدة وفتاة وبه عدة مجموعات وكل مجموعة فيها من 10 طالبات إلى 30 طالبة من طالبات الجامعة وكل مجموعة لها مدربة محترفة في مجالها. المشهد الكوميدي ومشهد الحرب كان فكرتي وكتابتي بعد جلسة عصف ذهني مذهلة مع الأستاذة سحر بحراوي وعضوات قسم تطوير الطالبات.

مشهد الحرب الاستعراضي من تدريب المدربة السعودية المحترفة والمبدعة نوره البدر، واستعراض السلام الفردي تقدمه مدربة اليوجا الشهيرة يوجيني فاطمة، وبالنسبة للاستعراضات الفلكلورية، فقد قامت بتدريب الطالبات على الاستعراض الإفريقي المدربة الكويتية الشهيرة عواش التي جاءت من الكويت خصيصا من أجل التدريب. أما الاستعراض البرازيلي فهو من تدريب مدربة الزومبا المعروفة هناء الصبان. بالنسبة للاستعراض الهندي فهو تدريب طالبتنا رميساء، و الاستعراض البنجلاديشي من تدريب المدربة المحترفة إيلين بولي.

وتضامنا مع سوريا، كان لابد أن يكون لسوريا الحبيبة في حفلنا مكان فقامت الأستاذة إيمان جبر بتدريب الطالبات على الدبكة السورية.

وأخيرا و ليس بآخر، ينتهي حفلنا بخاتمة كلها حب و ولاء لوطننا الغالي مع استعراض من الفلكلور السعودي من تدريب الأستاذة سامية البشري، رئيسة لجنة المسرح النسائي بجمعية الثقافة والفنون في جدة.

ولا أنسى أن أذكر جهود طالباتنا الرائعات اللواتي فعلن المستحيل ليقمن بالتنسيق بين التدريب الشاق و بين محاضراتهن ومشاريعهن واختباراتهن، فالمشاركة في هذا العمل كانت على حد قول إحدى الطالبات المشاركات “درسا عمليا في حسن إدارة الوقت.” والجدير بالذكر أن كل مجموعة قامت بالتدرب على الاستعراض الخاص بها لمدة تزيد عن 30 ساعة مقسمة على أيام الأسبوع.

أجمل ما في هذا العمل أنه ليس مجرد عملا ترفيهيا، بل هو عمل جمع ما بين فعل الخير والترفيه وتعزيز الثقة بالنفس و روح العمل الجماعي بين الطالبات والموظفات والمدربات، وكذلك أكد هذا العمل على روح التعاون والتنسيق الرائع بين مختلف أقسام جامعة دار الحكمة، فالجميع أثناء العمل كان لديه هدف واحد وهو إنجاح المشروع ليساهم في مِنح الطالبات التعليمية.

تناغم الحضارات هو عمل مسرحي فيه تشكيلة منوعة من الكوميديا الساخرة والفن الاستعراضي الذي يقدم رسالة مفادها أن التسامح وتقبل الحضارات المختلفة واحترامها هو ما يرتقي بالشعوب. 

والأجمل أنه عمل نسائي بحت يضاف إلى قائمة انجازات المرأة السعودية!

 

مها نور إلهي
أستاذة الفنون المسرحية ومشرفة نادي المسرح
جامعة دار الحكمة

 

 

الوسيم و القبيحة!

كان الحلم و الأمل لكل فتاة! كان يتمتع برجولة و شخصية باهرة تتوجها وسامة معقولة ومظهر ينم عن هيبة و قوة! كانت نساء أسرته يترقبن تخرجه بفارغ الصبر على أمل أن يخطب إحدى بناتهن، بل إن بعضهن كن يبذلن كل جهد حتى يعرضن بناتهن الجميلات عليه في كل مناسبة ممكنة! لكنه عندما تخرج و وجد الوظيفة الحلم صعق الجميع باختياره لفتاة دون المستوى! لم تكن حبيبته دون المستوى من حيث الأخلاق أو اسم العائلة، بل من حيث الشكل! لم تكن جميلة أبدا! بل كانت أقرب للقبح منها للجمال بحسب مقاييس مجتمعنا العظيم! كانت سمراء داكنة ذات جسد غير متناسق وعلاوة على ذلك لم تكن تملك عينين ساحرتين أو ابتسامة عذبة أو أنف مستقيم متزن! كانت فتاة ذات ملامح “ملخبطة فوق تحت” على حد تعبير والدته! لكنه أصر على الزواج منها، فقد عرفها لمدة تزيد عن العام وعمل معها عن قرب و عرف شخصيتها العذبة وأخلاقها الرائعة و ذكاءها المتقد و وعيها و نضجها وحديثها الحلو وخفة دمها غير المتكلفة و قدرتها على فهمه وعلى جعله يشعر بالارتياح معها.
غضبت منه جميع نساء العائلة و أولهن والدته و أخواته بالطبع، لكنه تزوجها رغما عن جميع آرائهن التي لم تكن تعني له شيئا، فهو الذي سيتزوجها و ليس هن!
بعد زواجه كان يشعر بالتوتر قليلا من كثرة تحذيرات والدته له بأنه سيكتشف حقيقتها بعد الزواج و أن شخصيتها الرائعة ما هي إلا قناع تضعه حتى توقعه في فخها، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل حدث العكس! اكتشف فيها جوانب أخرى لم يكن يعرفها…جوانب أخرى جعلته يعشقها أكثر فأكثر!
كان لديها القدرة على فهمه واحتوائه بطيبتها وحنانها الفطري اللامنتهي و فضلا عن ذلك كله لم تكن امرأة ضعيفة أو متخاذلة أو متكاسلة، فقد كانت امرأة مليئة بالنشاط و الحيوية، تقوم بجميع واجباتها لا كربة بيت فحسب، بل كسيدة صالون واستطاعت أن تجعل بيتهما جنة من الجمال والنظافة و الترتيب. و في أوقات الشدة كانت امرأة قوية يُعتمد عليها…كانت ظهره و سنده بمعنى الكلمة!
ولكن كل ذلك لم يكن ليشفع لها عند بنات جنسها و عند والدة زوجها و شقيقاته! سنوات مرت على زواجهما السعيد و هي لا تزال تسمع والدة زوجها تتنهد حسرة على حظ ابنها العاثر! أنجبت الأبناء و البنات و انكفأت على تربيتهم أحسن تربية بالإضافة لعملها خارج البيت و نجاحها فيه، و لم تزل تسمع العبارة الأشهر عند “الحريم”: حظ القبايح في السما لايح!
وكانت أحيانا تشكو لزوجها بحرقة من تعليقاتهن الجارحة، فكان يحتضنها و هو يبتسم: هذا ثمن السعادة يا حبيبتي! ولا واحدة منهن لها زوج يحبها كما أحبك! دعي عنكِ كلام التعيسات الغيورات، فهن لا يرين إلا المظاهر السطحية و قلوبهن مليئة بالهموم!

وكانت كلماته و مواقفه و تصرفاته دائما مثل البلسم الشافي على قلبها الطيب، فقد كان حبه هو زادها في هذا المجتمع القاسي السخيف! و كان هو منذ أن تزوجها قد اتخذ موقف “الأصم” حيال ما تقوله والدته ونساء أسرته، فهو سعيد مع زوجته ويشعر بالرضا و الاكتفاء معها وهذا هو المهم… و لتقل الجميلات المعقدات عنها ما يشأن، فلو كان الجمال شيئا مهما لكنّ استطعن أن يسعدن أزواجهن و لكنّ استطعن أن يمنعن أزواجهن من الخيانة!

عاشا بهذه القناعة طوال حياتهما مع منغصات بسيطة من فترة لفترة كانا يمران بها كأي زوجين طبيعيين وسعيدين! و توتة توتة فرغت الحدوتة!
*****
يحدث أن يحب الرجل الوسيم امرأة ليست جميلة…امرأة لا تحسدها النساء على قوامها و ملامحها…امرأة لا تلفت الأنظار…لكنها امرأة تملك قلبه و تأسر روحه بحنانها و عذوبتها و طيبتها وصلابتها! و يحدث أن ينسى الرجال في بحثهم عن الحب أن المرأة الحنون الخلوق المسؤولة التي يشتد بها الظهر هي السعادة على هذه الأرض!

و الآن…هل سبق و أن قرأتم في الأدب العربي الحديث عن رجل كهذا؟ هل سبق و أن قرأتم عن بطلة رواية قبيحة و أمير وسيم أحبها؟ شخصيا لا أذكر أني قرأت لعمالقة الأدب شيئا من هذا القبيل، فالرجل دائما يطمح للجميلة مهما كان قبيحا، و لا يقدم تنازلات حتى لو كان قصيرا أصلعا و بكرش! بل حتى الرجل القبيح في الروايات (و في الواقع للأسف) يعطي لنفسه الحق بأن يسخر من المرأة القبيحة!
و الغريب في أغلب الروايات هو وجود تلك المرأة “الحلم” التي تقبل بذلك الدميم لمجرد أن شخصيته قوية و دمه خفيف! و سبحان الله تعيش معه سعيدة و تصبر عليه و لا تنظر أبدا لغيره مهما كان وسيما و صاحب كاريزما!
ما غرسه فينا كبار الأدباء و حتى معظم قصص ديزني و الغابة الخضراء دائما و أبدا هو أن الرجل لا يتنازل عن شرط الجمال مهما كان قبيحا، لكن المرأة ممكن أن تتنازل عن وسامة الرجل حتى لو كانت فاتنة! و هي صورة تتكرر في الأدب بكثرة ومبالغة فظيعة و تتكرر في الحياة أيضا…لكنها ليست الصورة الوحيدة في الحياة!

مشكلة الأدباء العرب (الرجال طبعا) أن أغلبهم يجسد أحلامه و يفرضها على قراءه كواقع! و المشكلة الأكبر أنهم يتحدثون نيابة عن المرأة و تجدهم يسهبون فيما ترغبه المرأة ويطلقون تعميمات تصبح بعد زمن “حقائق” لا تقبل الجدال عن المرأة! يهدفون لإقناعنا بأن المرأة الجميلة يمكن أن تقدم تنازلات كثيرة في سبيل شخصية القصير أو كرشه… تقبل كل عيوبه من أجل ذكائه و شخصيته “اللي محصلتش”! و كأن المرأة ليست بشرا لها عينان تعشقان الجمال! و لو عكسنا الوضع، لوجدنا نفورا و رفضا كبيرا من قِبل هؤلاء الأدباء، فهم يرفضون فكرة أن يتنازل الرجل عن جمال المرأة في سبيل ذكائها مثلا!
و في الواقع، يحدث في الحياة أن تحب امرأة جميلة رجلا قبيحا لأن شخصيته أسرتها أو لأنها شعرت معه بالأمان و الحنان…نعم يحدث كثيرا…و لكن يحدث كثيرا أيضا أن تشمئز المرأة الجميلة من فكرة الارتباط العاطفي الجسدي برجل قبيح مهما كان ذكيا و فيلسوفا وحنونا! ويحدث أن لا تهتم المرأة إلا بمال الرجل و رصيده في البنوك و ما يقدمه لها! و يحدث أيضا أن ترتبط فتاة جميلة برجل دميم لأنه ثري و من عائلة كبيرة و تظل تندب حظها طوال العمر و تظل تشعر بالألم و ربما بالإغواء كلما رأت رجلا و سيما! نعم يحدث هذا و أكثر لكن الأدب “الذكوري” يصف مثل هذه المرأة بأوصاف لا تليق!

و يحدث أيضاً أن تضع المرأة الجميلة لنفسها معايير لم يتحدث عنها أي أديب أو فيلسوف في أي كتاب!
النساء لسن سواء! و تجربة أي كاتب أو فيلسوف مهما كانت ثرية و عميقة، لا تعبر إلا عنه هو فقط و عن رأيه هو في النساء..رأيه هو فقط في النساء اللواتي عرفهن فقط، لا في جميع النساء! ليس كل ما يقوله الأدباء والفلاسفة حقيقة خصوصا فيما يتعلق بالمرأة…و للعلم فإن أغلب الأدباء كانت حياتهم العاطفية تعيسة و كانت علاقتهم بالنساء يشوبها الكثير من الحزن و التعقيد و الحرمان، فإلى متى نجعل أدباء الزمن الغابر يشكلون فكرنا و يفرضون علينا صورا نمطية لا تعبر عن واقعنا المتنوع؟
إلى الآن لم أقرأ لأديب أنصف المرأة و صورها “كإنسانة” طبيعية فيها عيوب و مميزات…فهي إما “إلهة” جمال و فتنة و عذوبة وإما شيطانة ذات إغراء تصعب مقاومته أو امرأة قبيحة شريرة أو مملة؟ (لاحظوا لازم القبيحة تكون شريرة أو مملة!) طيب أين المرأة الطبيعية؟ المرأة التي فيها من الجمال و الطيبة و الملل و الإغواء و الأخلاق و الذكاء و العصبية والضعف وكل الصفات البشرية الأخرى؟
كيف يتقبل الرجل أن تكون المرأة إنسان مثله إذا كان الأدب يحصرها في هذه الصور المتطرفة أحادية الأبعاد؟
ربما أفصّل في الحديث لاحقا عن النماذج النسائية “المشوهة” في روايات العقاد و إحسان عبد القدوس و نجيب محفوظ و غيرهم…نماذج نسائية لا يزال البعض يعتبرها إلى اليوم تحليلا “واقعيا” لشخصية المرأة! و عجبي!

*ملحوظة:

القصة في البداية هي قصة خيالية من تأليفي! “حلمي و خيالي” و أنا حرة فيه! 🙂 

شيء من الواقعية والمرونة يا معالي وزير التعليم!

عندما كنتُ صغيرة (في نهاية السبعينيات)، درستُ بضعة سنوات في ولاية دينفر الأمريكية المعروفة بقسوة بردها وكثافة ثلوجها، لكني رغم ذلك لا أذكر يوما تم فيه تعليق الدراسة من أجل الثلوج الكثيفة التي كانت تغطي الأرض بالأمتار وتعيق أي نوع من الحركة والتنقل!
كان الثلج يهبط طوال الليل ليغطي الأرض تماما، لكننا عندما نصحو الصباح، كنا نجد ممرات المشاة و الطرق و الشوارع و الأرصفة كلها خالية تماما من الثلج و الماء ذلك لأن مسؤولو بلدية مدينة دينفر كانوا يقومون بواجبهم في إزالة الثلج وعوائق الحركة من الرابعة صباحا، و حتى لو لم يتوقف الثلج، كانت جرافات الثلج تستمر في عملها في تمهيد وتنظيف الطرق حتى لا تتوقف حركة السير!
و في المدرسة، كنا في أيام الثلوج و العواصف نأخذ فسحتنا و غداءنا في “البيسمنت” أو البدروم أو الدور تحت الأرض و الذي كان مجهزا بكل وسائل النظافة و التدفئة و الراحة و اللعب، بل وكان فيه مطعم مجهز لأيام الطواريء!
و لم تكن مدينة دينفر تشهد اختناقا مروريا لا في الأوقات العادية و لا في أوقات الثلوج ذلك لأن نظام المرور كان صارما و لأن الشوارع كانت مصممة بذكاء و فن بحيث تفرض على قادة المركبات السير بنظام! و لا أنسى أن أذكر أنه في مدينة دينفر كان يوجد شبكة للقطار، و حافلات آمنة و مريحة خاصة بكل مدرسة و يشرف على كل حافلة مشرفين على الأقل و كانت توجد طرق مشاة خاصة بالطلاب و الطالبات الذين يذهبون إلى مدارسهم على الأقدام و كان هناك شرطي أو شرطية مرور في كل شارع مكلف بالأطفال الذين يذهبون على الأقدام، و إن لم يتوفر شرطي المرور، كانت المدرسة تعين مشرفا في كل شارع قريب من المدرسة حتى يشرف على وصول الطلاب و الطالبات بسلام إلى مدارسهم.
في ظل تلك الظروف الآمنة و المجهزة و في ظل تلك البنية التحتية السليمة، يبدو قرار تعليق الدراسة لمجرد وجود مطر أو ثلج نكتة سمجة لا معنى لها، بل تكاسل و إهمال لا مبرر له!
لكن في مدينة مترامية الأطراف مثل جدة…في مدينة مرورها تعيس تعاسة فوق الوصف و شوارعها قمة في الفوضى (في الظروف العادية) مثل مدينة جدة المسكينة….في مدينة مثل جدة… لا تملك فيها النساء سيارات يقدنها وقتما يشأن بل في أغلب الأحيان لا يملكن سائق خاص ينتظرهن عند الباب…. في مدينة لا توجد فيها وسيلة مواصلات سوى السيارة…و في مدينة يستغرق الذهاب فيها للعمل ساعة ونصف ذهابا و ساعة و نصف إيابا كل يوم…في مدينة لا توفر معظم مدارسها حافلات آمنة لطللابها ….في مدينة مدارسها ذات نوافذ مهترئة و ساحات أغلبها تشبه الحظائر التي لا تتوفر فيها أدنى مقومات السلامة و النظافة…في مدينة كهذه، يبدو قرار الذهاب للمدرسة في يوم عاصف مغبر وسط اختناق و همجية المرور_ يبدو قرار الذهاب للمدرسة_ ضربا من السخف والجنون، لا التفاني ولا الجدية في العمل و طلب العلم! أقدّر _ يا معالي الوزير_ حرصكم على النظام، لكن النظام ليس كتابا سماويا! إن النظام الذي لا يسهل حياتي، بل يعقدها ما هو إلا نظام فاشل! إن النظام الذي قد يعرض حياتي للخطر ما هو إلا إمعان في التمحور حول المادية! النظام لابد منه لكن حين تكون جميع ادواته متوفرة! 
ما حدث اليوم في جدة، يعد وصمة عار على جبين وزارة التعليم وكل مسؤول فيها لم يكن واقعيا و مهتما بما يكفي! لقد كانت الوزارة على علم بحالة الجو و قد نبهت الأرصاد من يومين عن احتمالية حدوث عواصف رملية في جدة و غيرها، لكن الوزارة أصرت أن تبقى صامتة في ظل هذه الظروف، معرضةً صحة أبنائنا و بناتنا للخطر، بل معرضة أرواحنا للخطر بسبب التدافع و الازدحام و الفوضى المرورية التي حدثت بعد قرار التعليق الذي جاء متأخرا جدا!
معالي الوزير…أحترمك جدا و أقدر رؤيتك التربوية و أقدر سعيك لخلق بيئة دراسية جادة بعيدا عن الإهمال والتسيب الذي يحدث في معظم المدارس طوال العام بدون سبب، و لكن…أرجوك انزل إلى أرض الواقع! شيء من الواقعية و المرونة سيعود بالنفع علينا جميعا بدل هذه الفوضى و التذبذب و القرارات البيروقراطية!
أرجوك يا معالي الوزير أن تنظر للصورة كاملة …للمنظومة كاملة….التعليم ليس مدرسة و طالب و معلم، بل مدينة و مرور و بنية تحتية! عندما تصبح جدة مثل دينفر، حينها سنقف كلنا معك و نشد على يدك في الحزم مع كل متكاسل متهاون!

و لك مني أطيب تحية على حسن قراءتك، و كُلي أمل أن يتم العمل على حل هذه الفوضى من قبل جميع المسؤولين في الوزارة. 

و لا أنسى أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير و الاحترام للمدارس التي اهتمت بسلامة أبنائنا و أرسلت بعدم إحضارهم من الصباح الباكر! 

مواجهة مع الموت

نرتكب الكثير من الأخطاء السخيف منها و العظيم … و نقترف السيئات الصغير و الكبير منها…نضيع أحيانا عن جادة الصواب….نخطيء في حق أنفسنا و في حقوق الآخرين…تضيع وجهات نظرنا و رؤانا في ظل التخبط و الأسى من حولنا…نحب أشخاصا لا يستحقون…نركز جهودنا و طاقاتنا على أمور تجلب لنا الألم أكثر من السعادة…نتجاهل بحماقة و جهل الأشخاص الذين يهتمون لأمرنا فعلا…نعطي وقتا أقل لمن يحتاجوننا…نكافح بشتى الطرق لزيادة دخلنا المادي وزيادة أرصدتنا في البنوك لنقتني المزيد من الأشياء…

لكننا وسط ذلك كله لا نشعر بالسعادة غالبا…وأحيانا نعيش في منطقة “اللا شعور”…لا سعادة و لا حزن…لا تقدير لمعنى الحياة و لا ألم…حالة تبلد عامة تصيبنا لكننا نقنع أنفسنا أننا بخير لمجرد أننا لا نتألم!

و فجأة…يحدث ما لا نتوقعه…نستفيق على صفعة أو صدمة …على قضاء و قدر ليس بيدنا تغييره أبدا…نصطدم مع الموت وجها لوجه…يأخذ منا أعز و أغلى من نحب و ندرك أن لا شيء في هذه الحياة له أي قيمة أو معنى بدون من نحب…ندرك أن الحياة التي كنا نحياها لم تكن إلا حياة خالية من الجودة و المعنى و القيمة…مجرد دوامة تعتصرنا بسرعة كل يوم لنعود و نلقي أنفسنا بها في اليوم التالي بدون إحساس كامل أو وعي حقيقي بما فيها من جمال وحب.

كانت وفاة والدي رحمه الله أول مواجهة لي مع الموت… مع حقيقة من الحقائق التي يتفق عليها البشر بمختلف معتقداتهم ودياناتهم. آخر مرة رأيت فيها والدي غفر الله له كانت قبل 4 أيام من وفاته…لم يكن مريضا و لا عاجزا..كان كما عرفته دائما…مرحا سعيدا يشع النور و السماحة من وجهه…كان متحمسا وهو يتحدث عن ألوان الستائر التي يريد اختياراها للبيت الجديد الذي اشتراه…وكان يتحدث بفرح عن أدوات المطبخ الجديدة التي اشتراها…لكني لم أبادله حماسة بحماس …كنتُ أتحدث معه و أرد عليه باختصار و بمنتهى البرود و التبلد لأني كنتُ مرهقة جدا يومها، فقد مر عليّ أسبوع حافل و شاق في العمل….أمضينا أربع ساعات سويا لكني لم أنظر إلى وجهه و عينيه جيدا…لم أكن موجودة بقلبي و عقلي…فقط بجسدي…لم تكن فيّ أي حياة في ذلك اليوم الأخير الذي رأيته فيه…و لكنه رحمه الله كان ينظر إليّ يومها بنظرة حب يشوبها الحزن…كنتُ مرهقة جدا ذلك اليوم لأحلل و أفسر تلك النظرة….لم أستوعب معنى تلك النظرة العميقة المطولة إلا بعد وفاته…و كأنها كانت نظرة وداع….عندما أسترجع تفاصيل ذلك اللقاء الأخير، كم أكره نفسي و أؤنبها كثيرا….حتى “مع السلامة” قلتها له على عجل و بدون إحساس…و ربما بإحساس إنسانة غبية تظن أن اللقاء التالي مضمون و قادم لا محالة! كنتُ أعتقد أنه سيعيش ليصل للخامسة و الثمانين مثل والده و والدته رحمهما الله…كنتُ في قرارة نفسي أؤمن أنه طالما لا يشكو من أي مرض و طالما أنه حريص على المحافظة على صحته أنه سيعيش طويلا…كان لدي اطمئنان ساذج في غير محله…كنتُ أعتقد أنه سيعيش طالما أنني أحتاجه و أنه سيعيش حتى يأتي اليوم الذي أخبره بحبي العميق له و بتقديري العظيم له…كنتُ أظن أن أولئك الذين نسمع أنهم ماتوا، قد ماتوا لأنهم لم يهتموا بصحتهم…لأنهم كانوا مرضى…كنتُ أظن أن الموت لن يأتينا إلا “بعد عمر طويل” وكنتُ أظن أن الموت أمر يحدث حولنا…يحدث للآخرين فقط…أما نحن ..فسوف يأتينا فيما بعد عندما نكون مستعدون له…ولكن إرادة الله لا تسير وفق توقعاتنا و أمنياتنا!

بعد وفاة والدي فقدتُ الرغبة في الحياة…تمنيت الموت من كل قلبي وظللت لمدة شهرين على تلك الحال… أدعو الله أن أموت لكي ألحق بأبي فلا حياة بعده ولا شيء يستحق الحياة بعده! لكني أيضا كنتُ أدعو الله أن يصبرني وأن يلهمني البصيرة والحكمة وهذا الدعاء كان دائما يدعوه لي أبي رحمه الله… وبدأت حينها أراجع حساباتي وأفكر في زوجي وأبنائي… ما ذنبهم بحزني الشديد؟ هم يحتاجونني ولابد أن أكون قوية وأكون ممتلئة بالحياة حتى أعطيهم ما يستحقون…و تذكرت والدي رحمه الله بعد وفاة جدتي رحمها الله…كيف استمر عطاؤه لنا رغم حزنه على وفاتها…أدى رسالته كاملة ولم يقصر أبدا معنا!

استوعبت حينها أن الله يريد لي البقاء على قيد الحياة حتى أقوم  بتأدية رسالتي في الحياة نحو زوجي وأبنائي و والدتي وطالباتي وكل من يحتاجني! استوعبت أن الله يريد لي الحياة، لذلك لابد أن أعيشها كما يرضيه تعالى! 

و اليوم بعد حوالي 10 أشهر من وفاة والدي، أجد أني اختلفتُ كثيرا…لم أصبح كئيبة و حزينة و منغلقة على نفسي كما قد يتوقع الكثيرون، و لكني أصبحتُ أكثر و عياً و إدراكاً لمعنى الحياة! الموت جعلني أدرك أنني أضعتُ جُل وقتي وحياتي بدون أن أقف على تفاصيل الحياة و على جمالها…بدون أن أتوقف كما يجب عند الأشخاص الذين يستحقون وقتي و اهتمامي… كل شيء كنتُ أمر عليه مرور الكرام باستثناء الحزن والفرح….لم أكن أعطِ التفاصيل الجميلة اهتماما كبيرا ربما لأني كنتُ أعتقد أنها من المسلّمات “الدائمة” التي أستطيع الاستمتاع بها وقتما أشاء…إلا أنني عندما كنتُ أغضب، كنتُ أغضب بحدة و انفعال شديد وكأن القيامة قامت…و عندما كنتُ افرح، كنتُ أفرح بغرور وكأني ملكتُ الكون…كنتُ أتضايق وأنفعل أحيانا بسبب أمور تافهة…و أحيانا كنتُ لا أبالي بالنعم التي لديّ و لا أثمنها كما تستحق…

موت والدي رحمه الله جعلني أدرك أن لا قيمة للإنسان في هذه الحياة إلا بأخلاقه و تصرفاته…نعم أعرف أن هذا الكلام مكرر و نسمعه دائما…لكني أقوله بإدراك و وعي جديد…والدي رحمه الله كان يعمل محاضرا في كلية إعداد المعلمين و قد تقاعد قبل حوالي عشر سنوات من وفاته…طوال حياته كان رمزا للتفاني والإخلاص و النشاط في العمل…ظل رئيسا لقسمه بضعة سنوات ثم أصبح رئيسا لقسم النشاط لعدة سنوات….لكن عند موته، لم يقل أحد “كان رئيس قسم ناجح رحمه الله! أو كان يعمل كثيرا رحمه الله!” بل قالوا “كان نِعم الرجل الخلوق رحمه الله…كان دمث الخلق…كان طيباً كريماً متسامحاً…كانت الابتسامة لا تفارق وجهه!”

dad
ياااه! كل تلك السنوات من العمل والعطاء لم يتذكرها أحد لكنهم تذكروا ابتسامته و حسن تعامله معهم! كل تلك السنوات من العمل غرقت في غياهب الذاكرة إلا الابتسامة و الخلق الحسن! كيف يتذكر الغرباء عن والدي كل تلك التفاصيل الجميلة و أنا كنتُ اعتبرها من المسلّمات العادية؟! شهادات الأحياء في الأموات لها دلالات تستحق الوقوف عندها ملياً! عندما يُجمع كل من يعرف شخصا ما بأنه كان طيبا و رمزا للخلق الحسن، فإن ذلك لا يعني شيئا سوى أن نركز على الأشياء التي تبقى و تدوم…ماذا يعني أن تكون كاتبا مشهورا مقابل أن تكون إنسانا مشهورا بالطيبة و الخلق الحسن؟ ماذا يعني أن يقترن اسمك بالفن و الإعلام مقابل أن يقترن اسمك بالإنسانية و الأخلاق والعطاء؟ ماذا يعني أن يذكرك العالم كله لأعمالك العظيمة بينما أبناؤك لا يذكرون سوى أنك كنتَ بعيدا عنهم طوال حياتك؟

مؤلم جدا هذا الشعور…أعرف أن الكثير قد يعترض على كلامي و لكنها رؤية مختلفة للحياة توصلتُ لها بعد وفاة والدي، فلا نجاح يساوي شيئا مثل الحب و الأسرة! و لا يعني هذا أن لا نعمل ولا نسعى لتحقيق طموحاتنا، لكن ما أعنيه هو أن يكون سعينا لتحقيق طموحاتنا المهنية معتدلا عاقلا بدون أن يكون على حساب علاقاتنا الإنسانية التي هي أثمن ما نملك و أثمن ما يمكن أن نخسره لا قدر الله.

بعد وفاة والدي بثلاث أشهر تقريبا، تحقق حلمي و نُشر كتابي الأول….كان حلما عملتُ عليه لسنوات و كنتُ أنتظره لسنوات لكنه تعثر بسبب بعض الظروف…كان والدي رحمه الله ينتظره بفارغ الصبر أيضاً…لكن الموت كان أسرع…و صدر الكتاب لكن فرحتي به لم تكُ شيئا يُذكر…كانت فرحة باردة ناقصة تشوبها غصة لأنه لم يكن موجودا ليشهد تحقيق حلمي…أتذكر كم كان فخورا بي…كان يصر و يلح علي لأنشر قصائدي…كم كان يسألني كل يوم عن التطورات التي حدثت في إجراءات النشر…كم كان فرحا عندما رأى تصميم الغلاف….

لكن كل ذلك تبخر بدون رجعة بعد وفاته…ما الانجاز بدون أن نشاركه من نحب؟ ما قيمة أي نجاح بدون أن يكون هناك من يفرح معنا به؟ فرحة من القلب بدون حسد أو غيرة…و من يمكن أن يفرح تلك الفرحة الصافية معنا مثل الوالدين و الأبناء و الأزواج؟

لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن الكتاب الذي كان يحثني والدي باستمرار على نشره …أن ذلك الكتاب سيحمل إهداء لروحه وقصيدة تنعيه!

كم هي قصيرة تافهة هذه الحياة! كل أفراحنا و أحزاننا فيها تبدو تافهة مقارنة بفقدان شخص غالٍ على قلوبنا…

بعد وفاة والدي و بعد صدور كتابي، حققتُ حلما آخر من آحلامي ألا وهو إخراج مسرحية سيدتي الجميلة و التي استمر العمل عليها حوالي 5 أشهر…كانت حلما آخر قد تحقق…سعيت لتحقيقه بعد وفاة والدي لأثبت لنفسي أني لا أزال على قيد الحياة وبأن حزني العميق ليس عائقا لأحقق أي شيء…لكن فرحتي بتحقيق هذا الحلم الكبير المرهق كانت فرحة عادية ليس لأن النجاح لم يكن يستحق فرحة كبرى، بل لأن أولوياتي اختلفت كثيرا…كانت فرحتي بنجاح ابنتي ريم والذي تحقق بعد نجاح المسرحية، كانت فرحتي بنجاحها بتفوق أكبر بكثير من فرحتي بنجاحي و تحقيق أحد أكبر أحلامي! سبحان الله! كيف يتغير الإنسان! لكنه تغير في الأولويات كما قلت…تغير في مفهومي للفرحة التي تبقى و التي تغوص عميقا في القلب فتجعله ينبعث نورا وطاقة إيجابية…

لا أزال أسعى لتحقيق طموحاتٍ أخرى كثيرة و أعمل الآن على كتابي الثاني…لكنها طموحات في يدي و ليست في قلبي…

بعد وفاة والدي أدركتُ بكل ألم أنني طوال حياته رحمه الله لم أقدم له شيئا واحدا خاصا به…لم أسعى لإسعاده…كنتُ مكتفية بدور الابنة المطيعة الناجحة…و كأن طاعتي ونجاحي كان معروفا أقدمه له! لم أسعً يوماً لأقدم له شيئا مميزا يسعده كأب…كانت حياته رحمه الله تدور حول إسعادنا أنا ووالدتي و إخوتي…دللني كثيرا جدا و أسعدني كثيرا …قدّم لي الكثير الكثير الذي لا أحصيه و لم أقدم له سوى “شكرا بابا!” كم كنتُ مقصرة! حتى الوقت… كنتُ “أتمكرم” به عليه متعللة طوال الوقت بانشغالي في العمل أو بإرهاقي بسبب العمل!

فقدتُ إنساناً عظيماً لم أكن أشعر بروعته لأني كنتُ أظن وجوده في حياتي أمراً مسلّماً به! نصيحة من القلب…ثمِنوا من تحبون و أعطوهم ما يستحقون من الحب والوقت و الكلام …لا تجعلوا عجلة الطموحات تقتل أجمل ما لديكم…لا تجعلوا “آثار النجاح الجانبية” تكون على حساب علاقاتكم الإنسانية مع أقرب الناس إليكم…هم من سيبقى….حبهم لكم و حبكم لهم هو ما سيبقى…سيلتف المعجبون والمصفقون حيناً ثم يذهبون لنجم آخر أو لقضية أخرى…لكن من يحبونكم بصدق هم من سيبقون معكم عند الحزن و المرض و النجاح و الفرحة…و لا فرحة بدون من نحب و لا حزن يخف و يهون بدون من نحب!